البحث العلمي هو الركيزة الأساسية لتقدم الدول وتغير مستوي المعيشة بها من خلال التنمية والخطط الاستراتيجية ومن خلال مراكز الأبحاث والعلماء فهم السبيل الوحيد للوصول لأي تقدم.
وقطاع الزراعة مثل باقي القطاعات الحيوية بالدولة والتي شهدت علي مر عقود إهمالاً شديداً حتي أننا أصبحنا نستورد حالياً ما يقرب من 70% من غذائنا وذلك بعدما تقلصت المساحة الزراعية من الأراضي القديمة بالدلتا وباتت الأراضي المستصلحة وسيلة للتربح والثراء للفاسدين الذين حولوها إلي قصور ومنتجعات بدلاً من استخدامها في الزراعة.
ولأننا نؤمن بأن مراكز الأبحاث الزراعية في مصر مليئة بالحلول والخيارات لو تم الاهتمام بها ولهذا قامت "المساء" بزيارة لأحد هذه الصروح العلمية الزراعية والتي تجمع ما بين كونها الأقدم في مصر علي الإطلاق وبين خبراتها العلمية في هذا المجال وهي كلية زراعة مشتهر التابعة منذ فترة قريبة لجامعة بنها.. وهذه الكلية العريقة أنشئت عام 1911 والجديد بها هو إقامة مجمع للبحوث الزراعية بها والذي رغم حداثته "2014" فإنه يخطو سريعاً نحو تحقيق الهدف المنشود معتمداً علي خبرات أساتذته ونشر أبحاثه في الدوريات العلمية الدولية وأجهزته العلمية المتطورة علي أعلي مستوي تقني ويضاهي مراكز أبحاث الدول المتقدمة وأصبح هدفاً لكثير من دول العالم وعلي رأسها الصين والهند وأسبانيا وكثير من الدول العربية والأفريقية وتم توقيع بروتوكولات تعاون بين جامعات من تلك الدول وبين المركز لتبادل الأبحاث والطلاب والزيارات من أجل الاستفادة المشتركة.
أكد أساتذة الكلية أن الخبرات المتراكمة لديهم علي مدي 100 عام وضعت تحت تصرف المركز البحثي حتي بات مفخرة لكل المصريين بما يملكه من إمكانات هائلة من الأجهزة العلمية والتي تشكل منارة علمية كبيرة في دلتا مصر.
وخلال مدة عملهم القصيرة بالمركز تم استنباط أصناف جديدة من الذرة عالية الإنتاج وأيضاً استطاعوا استنباط صنف من القمح يمكن زراعته في المناطق الجافة وذات الملوحة ولا يتم ريه سوي مرة واحدة فقط ويتحمل ندرة المياه مما يعطي الأمل لزراعة الأراضي المستصلحة ومناطق كثيرة من صحراء مصر وبأقل كمية من المياه.
أشار الباحثون إلي أنه بالتعاون مع معهد بحوث الصحراء تم استنباط شجرة زيتون تتناسب مع بيئة سيناء وطبيعة أراضيها من حيث الملوحة واعتمادها علي المياه الجوفية في نموها.. هذا بالإضافة إلي صنف جديد من الدواجن "دواجن بنها" يعطي كميات كبيرة من اللحم وأيضاً البيض في نفس الوقت وهو يحقق الآن نجاحاً كبيراً بين المزارعين كما تم النجاح بالتعاون مع أسبانيا في إنتاج صنف من الأرانب يجمع الصفات المصرية والأسبانية من خلال الهندسة الوراثية.
أضاف الباحثون أن هناك أبحاثاً كبيرة الآن يتم تجربتها في مزارع الكلية قد تغير شكل الزراعة في مصر الكثير من المشاكل وتقليل نسب الاستيراد وهذا ما شجع أكاديمية البحث العلمي علي أن تنشئ فرعاً لها للتسهيل علي الباحثين في تسجيل أبحاثهم.
اشتكي الباحثون أعضاء هيئة التدريس بالمركز من فرض ضرائب كبيرة علي مشروعاتهم غير الهادفة للربح والتي هدفها التعليم العملي للطلاب وخدمة البيئة المحيطة مثل مشروعات إنتاج الصوب والشتلات الزراعية والإنتاج الداجني حيث وصلت قيمة الضرائب إلي 10% من رأس مال المشروع وليس علي الأرباح خاصة أن هذا يؤدي لنقص عدد المشروعات.
يقول د.محمود العراقي ـ عميد كلية زراعة مشتهر ـ إن هدفنا ليس تخريج متخصصين في مجالات العلوم الزراعية ولكن هدفنا تخريج مؤهلين علمياً وعملياً للمنافسة محلياً وإقليمياً وذلك لمواكبة التطور في البحث العلمي التطبيقي والتكنولوجي من خلال تطبيق أحدث النظريات العلمية في مجال العلوم الزراعية من خلال المجمع البحثي الزراعي بكلية زراعة مشتهر خاصة بعد أن أمدتنا الدولة بالكثير من الأجهزة العلمية وتجهيزات المعامل علي أعلي مستوي عالمي لنكون قادرين علي الابتكار والإبداع.. بالاشتراك مع منظمة الأغذية العالمية للمحافظة علي التراكيب الوراثية للنباتات والمحاصيل المصرية وتسجيلها في بنوك الجينات.
يضيف د.العراقي أنه يجري حالياً تطبيقات ودراسات بجثية داخل المعامل علي جينات معظم المحاصيل لمعرفة أسباب الأمراض ومقاومتها للوصول لبرامج مكافحة متكاملة لأمراض النبات في مصر وأيضاً لتعظيم الاستفادة من المخلفات النباتية لكافة المحاصيل وكيفية استخدام الميكروبات كعوامل مقاومة حيوية ودراسة تكنولوجيا زراعة الأنسجة والخلايا النباتية والنقل الجيني مؤكداً أن كل هذه الأبحاث تمت ونحن لم نكمل 3 أعوام فقط من تاريخ إنشاء المعامد داخل الكلية منوهاً إلي بروتوكولات التعاون التي تم التوقيع عليها مع العديد من كليات الزراعة العالمية في الصين والهند وزيارة وفود كثيرة أجنبية للكلية وتم الاتفاق مع جامعة وسط الصين وجامعة "نجازكي" لتدريب الباحثين المصريين وتوفير منح دراسية لهم وإجراء أبحاث مشتركة سواء من خلال معاملنا أو معامل تلك الجامعات.. منوهاً إلي وجود مجمع أبحاث علي مستوي عالي في جامعة بنها كان له مردود علمي وسط الجامعات الأجنبية وساهم في إجراء بحوث متميزة يتم نشرها حالياً في المجلات العلمية المتميزة.
أشار د.العراقي إلي أن الباحثين في الكلية تمكنوا أيضاً من عمل توليفة وراثية متميزة تجمع بين الأصول المصرية والأجنبية مثل سلالة "دجاج بنها" وتتميز بالإنتاج العالي للحوم والبيض سوياً ويصل إنتاج البيض للدجاجة الواحدة إلي 230 بيضة سنوياً بالإضافة لكبر حجمها من حيث اللحم وهي تحتاج لنظام غذائي أقل بكثير من تكلفته من المتواجد حالياً في مزارع إنتاج الدواجن بالإضافة لمناعتها العالية ضد الأمراض عكس السلالات الأجنبية.. خصوصاً مرض أنفلونزا الطيور وحالياً يتم تربيتها في القري المجاورة ومناطق عديدة في مصر ونتمني أن تحل محل المستورد سواء كان الغرض منها اللحم أو إنتاج البيض.
أضاف أن هذا النوع يحمل الصفتين مجتمعتين حيث قمنا بحفظ الأصول الوراثية للسلالة الحديثة باستخدام التطبيقات الحيوية لتحديد 13 كرموسوماً من الخريطة الكرموسية الحاملة للجينات وفي القريب العاجل سوف تغزو هذه السلالة "دجاج بنها" كافة مزارع إنتاج الدواجن لزيادة الطلب الشديد عليها. منوهاً إلي إنتاج سلالة أرانب "مشتهر" من خلال برنامج تحسين وراثي بين الكلية وإحدي الكليات في أسبانيا واستمر لمدة 6 سنوات وتتميز السلالة بالنمو السريع وتتحمل ظروف الجو الحار في مصر والمنطقة العربية وتتميز بضخامة الحجم ومقاومة الأمراض وزيادة عدد مرات "الخلفات" وتم الاستفادة من هذه السلالة بعمل مشروعات تنموية للمجتمع المدني بالتعاون مع بنك مصر وحالياً هناك 500 أسرة استفادت من هذا المشروع من خلال توفير الأرانب والبطاريات والعلف بأسعار رخيصة مساهمة من الكلية لخلق فرص عمل جديدة.
يطالب د.العراقي بأن يكون لخريجي الزراعة الأولوية في مشروعات استصلاح الأراضي الجديدة لخلق مجتمعات سكانية جديدة زراعية ستكون علي أكتاف هؤلاء الشباب.
أكد د.أحمد عاشور وكيل الكلية لخدمة المجتمع والبيئة أن كلية زراعة مشتهر هي أقدم المعاهد التعليمية في مصر حيث أنشئت عام 1911 وبها خبرات متراكمة علي أعلي مستوي من أعضاء هيئة التدريس المتخصصين في المجالات الزراعية المختلفة سواء كان النباتي أو الداجني وهي تشرف علي مشروعات إنتاجية كثيرة في ربوع مصر.
أضاف أننا تمكنا العام الماضي من إنتاج نوعية جديدة من "السمان" وبالاشتراك مع أحد البنوك الوطنية ونظراً لمميزات الصنف الجديد من حيث الوزن ومقاومته للأمراض تمكنا من توزيعه علي ما يقرب من 600 أسرة وكان التركيز علي الشباب الباحث عن فرص عمل ووفرنا لكل شاب 50 طائراً وبطارية لزوم تربية السمان والعلف اللازم بمبلغ 500 جنيه فقط من إجمالي 3500 جنيه هي القيمة الحقيقية لبداية المشروع بالإضافة لعمل دورات تدريبية لكيفية الرعاية والإنتاج ثم تقوم الكلية بشراء المنتج منهم ونقوم بإعطائه لأحد الأسر الجديدة بنفس الدعم السابق.. منوهاً إلي أن المشروع نظراً لربحيته العالية أصبح في زيادة مطردة.
أشار د.عاشور إلي أن هناك بروتوكول تعاون مع منظمة العمل الدولية لإنشاء صوب بلاستيكية وخشبية منوهاً إلي استنباط أصناف من شتلات الخضراوات والفاكهة وتعليم المجتمع المحيط بالكلية كيفية تربية هذه الشتلات وزراعتها نظراً لمحصولها الوفير.. مشيراً إلي إنتاج نوعية جديدة من الذرة مقاومة للجفاف والملوحة وهي مازالت في طي التجارب تعطي إنتاجية كبيرة من 40-35 أردباً للفدان في حين أن الأصناف الحالية تعطي ما بين 30-20 أردباً للفدان وهذا بمجهود الدكتور علي المصري أستاذ المحاصيل وخبير زراعة الذرة.
يري د.عاشور أن أهم المعوقات هي الضرائب التي تفرضها وزارة المالية وتقف عائقاً أمام التوسع في المشروعات الإنتاجية بالكلية حيث تقوم بخصم 10% من إجمالي مبلغ قيمة الإنتاج لكل مشروع وليس علي قيمة الأرباح فقط بالإضافة لمبلغ تخصمه جامعة بنها وهو 7.5% ليكون إجمالي المبلغ 17.5% من رأس مال المشروع وهذا يعوق التوسع في المشروعات.
يقول د.محمد حسن رفعت أستاذ الوراثة ومدير مجمع المعامل البحثية بالكلية إن قرار إنشاء مجمع بحثي بقرار صدر في عام 2014 وهو ذو طبيعة خاصة بحيث يتم توفير مستلزمات التشغيل من عوائد الأبحاث والمشروعات التي يتم تنفيذها داخل المجمع وتم تشغيل المرحلة الأولي منه في يناير العام الماضي وهي عبارة عن 4 معامل وكلها في مجال البحوث الزراعية لإنتاج أصناف عالية الإنتاج والجودة نباتية وحيوانية من لخال الهندسة الوراثية وإنتاج سلالات بكتيرية لها القدرة علي تدوير المخلفات الزراعية وتحويلها للاستفادة منها في تنقية المياه من العناصر الثقيلة وآثار المبيدات السامة وتم تعاقد جامعة "بنها" مع أكاديمية البحث العلمي لتوفير هذه السلالات.
يضيف د.رفعت أنه يوجد دراسة مكتملة حالياً لعمل مجزر آلي لذبح وتعبئة الأرانب والسمان في داخل الكلية وتوفير الإنتاج للمواطنين وبأسعار معقولة جداً لأننا لا نهدف للربح وسنقوم بتوريدها لكافة المنافذ التجارية باسم كلية زراعة مشتهر.
أشار د.رفعت إلي نجاح الكلية في استنباط 13 صنفاً من الذرة عالية الإنتاج باسم الدكتور علي الحصري وجاري العمل حالياً علي تحسين الصفات الوراثية والإنتاجية للقمح من حيث تحملها للملوحة والجفاف وهذا يعني مستقبلاً واعداً لمناطق الاستصلاح الجديدة ذات الموارد المائية القليلة.
أكد د.رفعت أنه تم التعاقد مع أكاديمية البحث العلمي علي إنشاء مكتب إقليمي خاص ببراءة الاختراع مقره كلية زراعة مشتهر لخدمة كافة الباحثين وتسجيل براءات الاختراع وجاري حالياً تدريب فريق التشغيل ليكون المجمع البحثي نواة لطفرة مستقبلية في العلوم الزراعية.
يري الدكتور مخلوف بخيت أستاذ الهندسة الوراثية أن تكنولوجيا الهندسة الوراثية الحيوية هي السبيل الوحيد لتحسين كافة المحاصيل الحقلية ولم يثبت حتي الآن أي ضرر لها علي المستوي العالمي ولكن في مصر وللأسف الشديد فهي ممنوعة وهناك الكثير من الأبحاث التي بذل علماؤنا جهوداً كبيرة لخروجها إلي النور ولكنها تسكن الأرفف ولم يتم استخدامها والاستفادة منها ولابد للدولة من إعادة النظر في ذلك خاصة أننا حالياً نستورد 70% من احتياجاتنا الغذائية وعند باحثينا الكثير من الحلول التي تغير شكل إنتاجنا الزراعي بشكل كبير!
أشار د.مخلوف إلي التجارب التي تجري حالياً بقسم الهندسة الوراثية لزراعة نبات "الكنوا" وهو يزرع في أمريكا الجنوبية ونهدف لخلطه بالقمح للتشابه الكبير بينهما في القيمة الغذائية وذلك من أجل الحد من استيراد القمح والذي يكلف ميزانية الدولة الكثير.
المصدر: نافذة أمل جديدة.. في "زراعة" مشتهر-جريدة المساء الثلاثاء 13/7/2016